
كاتي باركر تستعرض ملامح مشروع نيوم في منتدى البريكس للمستقبل الحضري: ثلاث ركائز ترسم ملامح مدن الغد
موسكو : منتدى المستقبل الحضري
في إطار أعمال منتدى المستقبل الحضري التابع لمجموعة البريكس، الذي انعقد بمدينة موسكو “Cloud City”، برزت مداخلة كاتي باركر، كبيرة خبراء استشراف المستقبل والمستشارة التنفيذية في مجلس الإدارة بالسعودية، والتي سلطت الضوء على الإطار المفاهيمي لمشروع نيوم باعتباره نموذجًا عالميًا لمدن المستقبل. وقدمت باركر رؤية طموحة تتجاوز الحدود التقليدية للتخطيط العمراني، حيث اعتبرت أن نيوم ليس مجرد مشروع عمراني أو استثماري، بل مختبر عالمي لاستكشاف دور الذكاء الاصطناعي في صياغة مستقبل الحوكمة والإدارة الاجتماعية.
أكدت باركر أن مشروع نيوم يهدف إلى إعادة تعريف مفهوم المدينة، عبر الجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والاعتبارات الإنسانية، من أجل خلق بيئة حضرية قادرة على التكيف مع التغيرات المتسارعة في العالم. وأشارت إلى أن الطموح لا يقتصر على البنية التحتية، بل يمتد إلى بناء مجتمع يتكامل فيه الإنسان مع التكنولوجيا بشكل غير مسبوق.
وفي عرضها، تناولت باركر ثلاث ركائز أساسية اعتبرتها مفاتيح لنجاح نيوم في المستقبل:
1. مدينة على الطيار الآلي بالذكاء الاصطناعي
شرحت باركر أن الذكاء الاصطناعي سيكون في صميم إدارة الحياة اليومية داخل نيوم، حيث يمكنه تنظيم الموارد بكفاءة، والتوسط في النزاعات الأسرية، وتسيير شؤون تسعة ملايين من السكان. ورغم أن هذه الرؤية تحمل وعودًا كبيرة، فإنها تطرح في المقابل تساؤلات جوهرية حول الأخلاقيات والشفافية في إدارة المجتمعات عبر أنظمة ذكية.
2. رفيق الذكاء الاصطناعي
أشارت باركر إلى أن التحديات الديموغرافية، مثل الشيخوخة السكانية، تستدعي البحث عن حلول مبتكرة، متسائلة: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول إلى شريك متعاطف يقدم الدعم العاطفي والنفسي للإنسان؟ هذا المفهوم يعكس طموحًا بتحويل التقنية إلى عنصر إنساني يرافق الأفراد في حياتهم اليومية.
3. التوأم الرقمي
أكدت باركر أن كل فرد في نيوم سيحظى بنسخة رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مزودة بمهاراته وقدراته، تعمل على تحليل صحته بشكل مستمر وتقديم توصيات مخصصة لتطوير كفاءاته. ويتوقع أن يسهم هذا “التوأم الرقمي” في رفع مستوى الوعي الصحي والمهني، من خلال أدوات متقدمة مثل العدسات الذكية.
أعمال المنتدى لم تقتصر على مداخلة باركر وحدها، بل شهدت نقاشات موسعة حول قضايا أساسية تمس مستقبل المدن، مثل التغير المناخي، النمو السكاني، إدارة الموارد، والتحولات الاقتصادية. وأجمع المشاركون على أن المدن الذكية لا بد أن تتجاوز فكرة البنية التحتية المتقدمة لتصبح مراكز إنسانية تراعي العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، مع الحفاظ على الاستدامة البيئية.
كما شدد الخبراء على ضرورة وضع أطر تنظيمية وأخلاقية واضحة لضمان ألا يؤدي الاعتماد على الذكاء الاصطناعي إلى انتهاك الخصوصية أو تقليص دور الإنسان في اتخاذ القرارات المصيرية. وفي هذا السياق، اكتسبت أفكار باركر حول نيوم أهمية خاصة، كونها تطرح المدينة ليس فقط كحلم مستقبلي، بل كمنصة اختبار حقيقية لهذه التحديات.
السعودية ودورها الريادي، برزت مناقشات نيوم في المنتدى كدليل على الدور الريادي للسعودية في طرح مبادرات مستقبلية كبرى تتجاوز حدودها الجغرافية لتصبح موضوعًا للحوار العالمي. فالمشروع لا يسعى فقط إلى تقديم نموذج جديد للمدن داخل المملكة، بل يطمح إلى أن يكون مرجعًا عالميًا للابتكار الحضري.
وبينما تعمل دول البريكس على استكشاف سبل تعزيز التعاون في مجالات التكنولوجيا والاستدامة، فإن مشاركة السعودية من خلال نيوم تسلط الضوء على التزامها بأن تكون جزءًا من النقاش العالمي حول مستقبل المدن، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030.
يهدف المنتدى إلى مدن أكثر إنسانية واستدامة، خلصت أعمال المنتدى إلى أن المدن القادمة يجب أن تعكس توازنًا بين التقنية والإنسانية. فبينما تتيح أنظمة الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة في إدارة الموارد وتحسين جودة الحياة، يبقى العنصر الإنساني هو الأساس في ضمان نجاح التجربة.
وفي هذا الإطار، جاءت مداخلة باركر لتفتح الباب أمام تساؤلات فلسفية عميقة: إلى أي مدى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح جزءًا من التجربة الإنسانية؟ وهل يمكن للمدن أن تتحول إلى كيانات تتبنى قيمًا أخلاقية بقدر ما تتبنى تقنيات متقدمة؟
مع اختتام المنتدى، بدا واضحًا أن مشروع نيوم لم يعد مجرد فكرة على الورق، بل أصبح محورًا للنقاش العالمي حول مستقبل الحوكمة الحضرية. ومن خلال الأفكار التي عرضتها كاتي باركر، ظهر أن المدينة السعودية المستقبلية لا تستهدف فقط بناء ناطحات سحاب أو شبكات نقل ذكية، بل تطمح إلى صياغة نموذج متكامل لمدن الغد — نموذج يوازن بين التقنية والإنسان، وبين الكفاءة والأخلاق.
وبهذا، عزز المنتدى مكانة نيوم كإحدى أبرز المبادرات العالمية التي تعيد تعريف مفهوم المدينة، وتضع الذكاء الاصطناعي في قلب التجربة الحضرية، مع الحفاظ على البعد الإنساني كركيزة أساسية.